نتكلم اليوم عن شخصة من اشهر الشخصيات في تاريخ مصر والصعيد بالاكمل
الشخصية هي
شيخ العرب الأمير همام بن يوسف بن احمد بن محمد بن همام إبن أبو صبيح سيبة ولد في (1709 م (1121 هـ) - وتوفي ( 7 ديسمبر 1769 م - ثامن شعبان من سنة 1183 هـ )
الجناب الأجل والكهف الأظل، الجليل المعظم والملاذ المفخم الأصيل الملكى ملجأ الفقراء ومحط الرجال الفضلاء والكبراء
شيخ العرب الأمير شرف الدولة همام بن يوسف بن احمد بن محمد بن همام إبن أبو صبيح سيبة ... عظيم بلاد الصعيد ومن كل خيره يعم القريب والبعيد"
بهذه الكلمات رثى الجبرتى واحدة من تلك الشخصيات الفذة التى تتابع ظهورها فى فترة آلام المخاض التى سبقت ولادة عصر اﻹستقلال الجديد لأمة بلغت من العمر عتيا وبدأت فى التململ من حكم العثمانيين.
ونــــــبـــــــدا على بركة الله
شيخ العرب الامير همام .. بكر الابناء الذكور للشيخ يوسف زعيم قبائل الهوارة ... تلك القبائل التى هاجرت إلى مصر من المغرب فى عهد الدولة .. الفاطمية وإستقرت فى صعيد مصر وتمتعت بقدر هائل من الثروة والنفوذ وسيطر شيوخها على مقاليد الأمور فى الصعيد حتى عام 1575 م (893 هـ). وكان مولد رجلنا، الذى آلت إليه زعامة قبائل الهوارة، فى فرشوط محافظة قنا سنة 1709 م (1121 هـ) .
وفى الشمال .. فى القاهرة .. وبينما كان على بيك الكبير يسعى إلى مشيخة البلاد ويتطلع إلى الإستقلال بها، كان الشيخ همام يعمل على مد سلطانه على ولاية جرجا التى كانت تضم كافة أقاليم الصعيد من المنيا إلى الشلال. ولم تبارح مخيلة على بيك، فى سعيه للخلوص بمصر من امبراطورية بنى عثمان أطياف اسلافه العظام من سلاطين المماليك والتى مازالت أعمالهم تنتصب شامخة فى قلب القاهرة .. والتى مازالت صور مواكبهم واصوات إحتفالاتهم قائمة لا تبرح ذاكرة المصريين. وهكذا كانت أيضا ذكرى ثوروة الهوارة بزعامة الأمير حصن الدين بن ثعلب (1253 م /651 هـ)، والتى إنتهت باستقلال الصعيد، حية فى نفوس الهوارة ومستقرة فى وجدان شيخهم همام.
وينجح على بيك الكبير فى مسعاه، فلا تهل سنة 1760 م حتى يصبح "عزتلو أمير اللواء على بك" كبيرا للمماليك ويتولى منصب شيخ البلد. ويمضى بعدها فى تثبيت مركزه بالتخلص من منافيسه من كبار المماليك من أمثال عبد الرحمن كتخدا وحسين بك كشكش وصالح بك شاهين. وأخذ فى تعزيز قوته العسكرية حتى بلغ عدد مماليكه الستة آلاف. ومضى فى تكوين التحالفات ونسج المؤامرات للقضاء على كافة القوى المنافسه له. وينتهى على بك من كبار المماليك الذين ينازعونه سلطانه فى معركة حاسمة دارت رحالها شمال بنى سويف فى سنة 1767 م / 1181 هـ، ليدخل بعد ذلك القاهرة وقد ثبتت أقدامه فى "إمارة مصر ورياستها.. وظهر بعد ذلك الظهور التام، وملك الديارالمصرية، والأقطار الحجازية، والبلاد الشامية، وقتل المتمردين وقطع المعاندين، وشتت شمل المنافقين، وخرق القواعد، وخرم العوائد"
وينجح الشيخ همام هو الآخر فى مساعيه،فلا تحل سنة 1767 م \ 1181 هـ حتى تصبح كافة أقاليم الصعيد، من المنيا إلى أسوان، تحت سيطرته.
ويمضى الرجل قدما فى تأسيس شبه دولة. فينشئ الدواوين لإدارة شئون الأراضى الواقعة تحت سيطرته ولرعاية العاملين فيها، ويشكل قوة عسكرية من الهوارة ومن المماليك الفاربن إلى الصعيد فـ "كان عنده من الأجناد والقواسة وأكثرهم من بقايا القاسمية إنضموا إليه وإنتسبوا إليه وهم عدة وافرة وتزاوجوا وتوالدوا وتخلقوا بأخلاق تلك البلاد ولغاتهم". وتشيع أخبار مجالسه التى كان يعقدها لسماع شكاوى الأهالى ولحل مشاكلهم ... يستوى فى ذلك الجميع، الغنى منهم والفقير، لا يستكنف من محادثة أجلافهم فكان "اذا جلس مجلسا عاما وضع بجانبه فنجانا فى قطنة وماء وردا فاذا إقترب منه بعض الأجلاف وتحادثوا معه وإنصرفوا مسح بتلك القطنة عينيه وشمها بأنفه حذرا من رائحتهم وصنانهم .وقد أدى النظام الذى وضعه الشيخ همام للأمن والعناية التى كان يبذلها لصيانة الترع والجسور إلى ازدهار الزراعة وتحقيق الرخاء للأهالى".
أنـه لمـا ذهـب محمـد بـك أبو الذهب إلى جهة قبلي لمنابذة شيخ العرب همام وجرى بينهما الصلح على أن يكون لهمام من حدود برديس وتم الأمر على ذلك ورجـع محمـد بـك إلـى مصـر أرسـل علـي بـك يقـول له: إني أمضيت ذلك بشرط أن تطرد المصريين الذين عندك ولا تبقي منهم أحدًا بدائرتك.
فجمعهم وأخبرهم بذلك وقال لهم: اذهبوا إلى أسيـوط واملكوهـا قبل كل شيء فإن فعلتم ذلك كان لكم بها قوة ومنعة وأنا أمدكم بعد ذلك بالمال والرجال فاستصوبوا رأيه وبادروا وذهبوا إلى أسيوط فملكوا أسيوط وتحصنوا بها وهرب من كان فيها ووردت الأخبار بذلك إلى علي بك
وهكذا كان الصدام بين الرجلين محتوما، فيحشد له على بك الكبير ثلاثة جيوش ويجمع قوادها ويوصيهم قائلا: "إذهبوا إلى أسيوط وإملكوها. وتدور المعركة الفاصلة فى يونيو 1769 م (1183 هـ) عند جبانة أسيوط لتسفر عن إنتصار ساحق لجيوش على بك الكبير. وبعدها "أقامو بأسيوط أياما ثم ارتحلوا إلى قبلى بقصد محاربة همام والهوارة. وإجتمع كبار الهوارة مع من إنضم إليهم من الامراء المنهزمين .. فراسل محمد بك ... محمد بك أبو الدهب مملوك على بك الكبير - ليراسل اسماعيل أبو عبد الله ابن عم همام وإستمالته ومناه برياسة البلاد حتى ركن إلى قوله وصدق تهويماته وتقاعس وتثبط عن القتال وخذل طوائفه ولما بلغ شيخ العرب همام ما حصل ورأى فشل القوم خرج من فرشوط وتركها بما فيها من الخيرات وذهب الـى جهـة اسنـا فمات في ( ثامن شعبان من سنة 1183 هـ - 7 ديسمبر 1769 م) ودفن في بلدة تسمى "قمولة"(1) فقضى عليه بها رحمه الله. مكمودا مقهورا. ووصل محمد بك ومن معه فرشوط فلم يجدوا مانعا فملكوها ونهبوها واخذوا جميع ما كان بدوائر همام وأقاربه وأتباعه من ذخائر وأموال وغلال وزالت دولة شيخ العرب همام من بلاد الصعيد من ذلك التاريخ كأنها لم تكن "(2)
وخلف من الاولاد الذكور ثلاثة وهم درويش وشاهين وعبد الكريم.
ولما مات انكسرت نفوس الامراء ثم ان اكابر الهوارة قدموا ابنه درويشًا لكونه اكبر اخوته واشاروا عليه بمقابلـة محمـد بـك ففعـل.
وامـا الامـراء فمنهـم مـن اخذ امانًا من محمد بك وقابله وانضم اليه ومنهم من ذهب الى ناحية درنه ونزل البحر وسافر الى الشام والروم ومنهم من انزوى الى الهوارة بالصعيد.
وحضر درويش صحبة محمد بك الى مصر وقابل علي بك واعطاه بلاد فرشوط ورجـع مكرمـًا الـى بلـاده.
فلـم يحسـن السيـر ولـم يفلح واول ما بدا ي احكامه انه صار يقبض على خدم ابيه واتباعه ويعاقبهم ويسلب اموالهم وقبض علـى رجـل يسمـى زعيتـر وكيـل البصـل المرتب لمطابخ ابيه فاخذ منه اموالًا عظيمة في عدة ايام
ووصلـت اخبـاره بذلـك الـى علـي بـك فعيـن عليـه احمـد كتخـدا وسافر اليه بعدة من الاجناد والمماليك وطالبه بالاموال حتى قبض منه مقادير عظيمة ورجع بها الى مخدومه واقتدى به بعد ذلك محمد بك في ايام امارته واخذ منه جملة وكذلك اتباعه من بعـده حتى اخرجوا ما في دورهم من المتاع والاواني والنحاس قناطير مقنطرة ثم تتبعوا الحفر لاجـل استخـراج الخبايـا حتـى هدمـوا الـدور والمجالـس ونبشوهـا واخربوهـا وحضر درويش المذكـور باخـرة الـى مصـر جاليـًا عـن وطنـه ولم يزل بها حتى مات كاحاد الناس.
واستمر شاهين وعبد الكريم يزرعان بارض الوقف اسوة المزارعين ويتعيشون حتى ماتا.
فاما شاهين فقتله مراد بك في سنة 1214 هـ ايام الفرنسيس لامور نقمها عليه وخلف ولدًا يدعى محمدًا.
واما عبد الكريم فانه مات على فراشه قريبًا من ذلك التاريخ وترك ولدًا يدعى همامًا دون البلوغ يوصف بالنجابة حسبما نقل الينا من الاسفار.
ولكن ذكرى شيخ العرب همام بقيت وحفظتها ذاكرة أهل الصعيد وبثوها في كلمات موال حزين يغنونه كلما هيجت مرارة الواقع شوقهم الي عدل همام ويبدأ الموال مناشدا إياه:
قوم ياهمام وإسعى وروح سنار
وإزرع وقوت عيالك
فرشوط قادت عليك نار
والبيه عدى وجالك
وكأنهم فى مناشدتهم اياه الذهاب إلى سنار -جنوب الخرطوم بالسودان- يسترجعون ذكريات ماض بعيد .. ذكريات لجوء كهنة آمون منذ اكثر من ألفى وخمسمائة سنة إلى السودان ليضعوا الأساس للدولة نبتا والتى سيكون لملكها بعنخى فضل إنقاذ مصرمن صرعاتها الداخلية وتأسيس الأسرة الفرعونية الخامسة والعشرين (751- 656 ق. م). وتمضى كلمات الموال تتحسر على تدمير "البيت الكبير" ..قصر الأمير همام فى فرشوط:
هياك ياباب هياك
بس ضبتك غيروها
تسعين أوضة وشباك
فى تلا يلك كسروها
وتنتهى على أرض الواقع قصة شيخ العرب همام .. تنتهى لتصبح حدثا تضرب به الأمثال .. وتجربة موحية .. ملهمة لمن سيأتى بعدها وينظر متأملا فى وقائع التاريخ. فها هو ذا أبو التنوير رفاعة رافع الطهطاوى يشير إليها فى كتابه الشهير "تخليص الإبريز فى تلخيص باريس" (1834 م) قائلا: "ولكن لما كانت الرعية لاتصلح ان تكون حاكمة ومحكومة وجب أن توكل عنها من تختاره منها للحكم وهذا ما حصل فى زمن حكم الهمامية فكانت الصعيد جمهورية إلتزامية" . وقبله يشير إليها فى أحاديثه الجنرال يعقو